هداية لا تُقدَّر بثمن: تأملات من لقاء قديم
تأمل شخصي من لقاء مع صديق قديم — عن التغير، وفقدان الاستقامة، وإدراك قيمة الهداية في الإسلام والسنة.

قبل فترة ليست بالبعيدة، التقيت بصديق قديم بعد انقطاع دام ثلاث أو أربع سنوات. كان هو وزوجته في الماضي معروفين بالتقوى والالتزام. كانت زوجته ترتدي الحجاب الشرعي الكامل، وكان صديقي يجتهد في اتباع السنة في مظهره وعباداته.
لكن في هذا اللقاء، أصابتني الدهشة. فقد تغيّرت هيئتهما كثيرًا عمّا كنت أعرف. لم يعد صديقي يلتزم بالسنة كما كان، وزوجته لم تعد ترتدي الحجاب، ولباسها بعيد عن الحشمة. بدا واضحًا أنهما تخلّيا عن كثير مما كانا يحافظان عليه من السنة.
تفاجأنا جميعًا باللقاء. تبادلنا التحية، ثم ساد الصمت، وتابعوا مسيرتهم الصباحية، بينما غمرتني مشاعر التأمل العميق.
وأثناء سيري، أخذت أفكر: ما أعظم قيمة الهداية في الإسلام والسنة! فالهداية ليست إرثًا، ولا تُشترى بالمال، ولا تُحفظ بقوة الإنسان وحده، بل هي منحة من الله ﷻ يهبها لمن يشاء.
قال الله تعالى:
﴿مَن يَهْدِ ٱللَّهُ فَهُوَ ٱلْمُهْتَدِي ۖ وَمَن يُضْلِلْ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْخَـٰسِرُونَ﴾
(الأعراف: 178)
ومن هذا الموقف تعلّمت دروسًا عظيمة:
- مهما كان حالنا سيئًا اليوم، فمجرد بقائنا على الإسلام نعمة لا تُقدَّر بثمن.
- ومهما سقطنا وتعثّرنا في مسير الحياة، فإذا حفظنا الله على السنة، فهي نعمة عظيمة تستحق الشكر.
- لا ضمان لأحد. فقد يثبت المرء سنوات طويلة ثم يزلّ، وقد يكون شخص بعيدًا ثم يمنّ الله عليه بالهداية فيعود.
قال النبي ﷺ:
«إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ»
(رواه مسلم، رقم 2654)
ولهذا كان النبي ﷺ، مع كونه الموعود بالجنة، يُكثِر من الدعاء قائلًا:
«يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ، ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»
(رواه الترمذي، رقم 2140)
أنا لا ألوم صديقي ولا زوجته، وإنما أشعر بالحزن، وأرجو من الله أن يعيدهما إلى الخير والسنة التي كانا يحافظان عليها.
وهذا الموقف يذكّرني أنا أولًا: أن لا أشعر بالأمان من فقدان الهداية، وأن أستمر بالدعاء لله أن يثبت قلبي على دينه.